إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
تفسير سورة الكهف
45167 مشاهدة print word pdf
line-top
تفسير خرق السفينة

فعند ذلك شرح الخضر لموسى ما أنكره عليه من تلك الأشياء التي استنكرها ظاهرا، فقال: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا سأخبرك بتأويل هذه الأشياء، التي أنكرتها في الظاهر، وأبين لك العذر.
أَمَّا السَّفِينَةُ التي خرقتها فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ وصفهم بأنهم مساكين، مع أنهم يملكون سفينة، وهذا دليل على أن المسكين أقوى حالة، وأحسن حالة من الفقير؛ فالمسكين قد يكون له كسب، فهؤلاء مساكين يعملون في البحر على هذه السفينة، يحملون عليها الناس بأجرة، ويتكسبون ويقوتون أنفسهم، ويأكلون من كسبهم، ومن كدهم؛ فيكون ذلك سببا في رزقهم الذي يسره الله لهم.
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا يعني: أن أجعل فيها عيبا.
واعتذر عن العيب، يقول: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا أي: قدامهم هذا الظالم يأخذ كل سفينة صالحة، في بعض قراءات المتقدمين، قرأها بعضهم: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ). أي: لا يأخذ إلا السفينة الصالحة فهذه السفينة جعلت فيها عيبا، وهو هذا الخرق؛ فإذا رآها ذلك الملك، رأى فيها عيبا، وتركها لهم، فتبقى لهم سفينتهم يستعملونها أفضل من أن يغصبها ذلك الظالم، ويأخذها بغير حق، هذا عذره، ولا شك أنه عذر سائغ أن الله تعالى أطلعه على أن هؤلاء مساكين، وأنهم بحاجة إلى هذه السفينة، ينقلون عليها، ويركبونها، ويعتاشون من كدهم عليها، ومما يحصلون من الأجرة، حمل الأمتعة، وحمل الرجال من مكان إلى مكان في داخل البحر على هذه السفينة، ولو كانت معيبة في هذا اللوح الذي قد انكسر، تبقى لهم أولى من أن يغتصبها ذلك الظالم، لو بقيت صالحة سليمة اغتصبها، وكأنه عرف أنها جديدة، وأنها لم تمر على الظالم قبل ذلك، ولو مرت عليه قبل أن يفسدها، أو يعيبها لأخذها منهم قهرا؛ فلذلك قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا أي: أجعل فيها عيبا، يكون سببا في تركها لهم؛ فهذا هو السبب، ولا شك أنه عذر سائغ، ولو كان ظاهر ما فعله مما أنكره موسى غير مستساغ، ولكن بَيَّنَ له العذر، وفي هذا دليل على أن المساكين يكون لهم مادة يكسبون منها، ولكن قد تكون أقل من كفايتهم، ولا تسد حاجتهم؛ فلذلك هم بحاجة إلى زيادة، ولهذا جعل الله للمساكين حظا من الزكاة في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وعرف المسكين: بأنه من له دخل فوق نصف ما يكفيه، وأقل من الكفاية، فيمكن أن هؤلاء دخلهم من أجرة هذه السفينة، لا يكفيهم، ولكن يسد شيئا من عوز.

line-bottom